الجمعة، 9 مايو 2014


نيلسون مانديلا


أول رئيس وطنى أسود منتخب فى جمهورية جنوب أفريقيا . حيث تقلد الرئاسة وهو فى الخامسة والسبعين من عمره . وكان يستطيع أن يبقى حاكماً لدولته طوال حياته إن أراد . لكنه غلب مصلحة وطنه . وشعبه على حب السلطة . واعتزل الرئاسة عندما شعر أنه لن يستطيع القيام لمهامها . ولعل ذلك هو أهم ما ميز شخصية نيلسون مانديلا وجعل منه رمزاً لنضال سكان جنوب أفريقيا على أختلاف أعراقهم . ومحلاً لإجماعهم . وهو صدق أيمانه بحقوق أمته.

يعد مانديلا أبرز المناضلين فى القرن العشرين . سيرته تتلألأ فى سماء التاريخ الإنسانى كالأسطورة التى تضى ولا ينقطع نورها . حياته مليئة بالكفاح فى سبيل إعلاء كلمة الحق ونبذ نظرية الرجل الأبيض . استطاع رغم سجنه واعتقاله أن يقف ضد المستعمرين البيض فى الجنوب الأفريقيى المحموم.
 

كان معارضاً للحكم فى جنوب أفريقيا الذى كان فى إمره البيض . وكانوا يحكمون بنظام التمييز العنصرى التام الذى ينكر على الغالبية السوداء حقها فى الانتخاب وإدارة شئون البلاد بل ويحق لهم أن ينتزعوا أملاك السود ويجردوهم من أرضهم وأرض أجدادهم . التحق مانديلا بركب المقاومة عام 1942 م بانضمامه إلى المجلس الأفريقى القومى الذى يدعو للدفاع عن حقوق الأغلبية السوداء فى جنوب أفريقيا.
 


وفى عام 1961 م تم تصعيد مانديلا كرئيس للجناح العسكرى للمقاومة المسلحة . وفى عام 1962 م تم اعتقاله . وحكم عليه بالسجن 5 سنوات بتهمه غريبة جداً . وهى " السفر غير القانونى والتدبير للإضراب " . ثم حكم عليه بالسجن مدى الحياه عام 1964 بتهمه التخطيط لعمل مسلح.
 

وبعد عده سنوات متصلة من الجهود الدولية وجهود المجلس الأفريقى القومى فى يوم 11 من فبراير عام 1990 تم إطلاق سراح نيلسون مانديلا بأمر من رئيس جنوب أفريقيا "فريدريك ويليام دى كليرك" الذى أوقف أيضاً الحظر المفروض على المجلس الأفريقى القومى.

لمانديلا ثلاث بنات . واحدة من زواجه الأول . واثنتان من زواجه الثانى . وولدان . الأصغر يدعى "ماديبا ثيمبكيلى" وقد لقى حتفه فى حادث سيارة عام 1969 أثناء سجن أبيه ورفضت السلطات آنذاك السماح لمانديلا بحضور جنازة ولدة . والأكبر يدعى "ماكاتو" وقد توفى عن عمر 54 عاماً.
 

ومن أصعب اللحظات فى حياته عندما وقف بكل شجاعة . ومن مقر مؤسسسته فى أحد أيام يناير عام 2005 ليعلن وفاة ابنه البكر بالإيذر . ويعتبر مانديلا الوحيد الذى تحدى بشجاعة المحرمات فى بلاده والتى تمنع الحديث عن هذا المرض . فبلغه الأرقام نلعم أن فى جنوب أفريقيا خمسة ملايين حاملين للمرض وأن هذا المرض يقضى يومياً على 600 شخص .لذلك لم يبك . إنما حول همه وحزنه الخاص على وفاة أكبر أبنائه إلى وسيلة لمكافحة ذلك المرض اللعين . وفى هذا السياق قال مانديلا "دعونا نلقى الضوء على مرض نقص المناعة المكتسب ليبدو وكأنه مرض عادى كالسرطان والدرن الرئوى".
 

ونفى مانديلا ربط مرض نجله بالحملة التى يقودها منذ عدة أعوام للمطالبة بالمزيد من الانفتاح حول الوباء . ونوه قائلاً "أتمنى مع مرور الوقت أن نلحظ أهمية التحدث علانية عن اولئك الذين قضوا نحبهم بالإيذر . وألا نشعر بالعار تجاههم . فهم أولاً . وأخيرا بشر".
 

مانديلا صلب لأقصى درجة فى التمسك بتلك الحقوق طول مسيرته النضالية بلا هوادة أو مساومة . شعاره "لاتنازل .. لا استسلام" ولم يقدم مانديلا أى تنازلات فى سبيل كفاحه الطويل ضد التفرقة العنصرية سواء فى بلاده أو خارجها ونال إعجاب الجماهير فى شتى أنحاء العالم من مختلف الألوان والجنسيات والأعمار والثقافات.
 

فى ابتسامه نيلسون مانديلا شئ شديد الخصوصية . إنها صادقة صافية . ومليئة بهدوء النفس . وتجسد إلى ذلك قناعات من قاد شعبه للحرية وقوة الشخصية . إنها ابتسامه شبيهة بالذهب الخالص . الذى تم تخليصه من كل الشوائب فى وطيس الألم العظيم . دخل السجن شاباً يقاوم نظام الفصل العنصرى فى بلده جنوب أفريقيا . خرج شاباً رغم شيخوخته وبنفس حماس الماضى . لم يذكر عنه أنه كتب أسترحاماً لطاغية ولم يؤلف مراجعات فكرية أو أطروحات انهزامية . لم يتبرأ من مقاومته لحكومة بلاده العنصرية . لم يكتب صك غفران وشهادة لجبار من جبابرة الأرض . وما أكثر من فعلوا ذلك !
 

وعندما وصل للحكم . وأصبح رئيساً . لم تتغير مبادئه . يضرب الفارس النبيل (مانديلا) أروع المثل فى العزة والإباء وهو يقف أمام طاغية العصر جورج بوش ويقول : "لن أقابله إذا جاء جنوب أفريقيا . لأنه رجل مارق يرأس نظاماً مارقاً كذب على العالم واحتل العراق وهو يختلق الأكاذيب".
 

ثم وفى مانديلا بوعده ولم يقابل بوش عندما زار بلاده . وعندما وعد أبناء وطنه بأنه سيجعل من جنوب أفريقيا أول دولة أفريقية تنجح فى الحصول على شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم . وفى بوعده ونجح فى ذلك . وانتشرت فى جميع أنحاء البلاد . وعلى كل مواقع الإنترنت إعلان جمع التوقيعات . وكان اسم مانديلا هو محور الإعلان.
 

عرف عنه شده وفائه للآخرين . فعلى الرغم من مرور نحو 50 عاماً من انفصاله عن زوجته الأولى شارك نيلسون مانديلا فى تشييع جنازتها . كنوع من الوفاء للأنسانة التى شاركته معاناته . واصطحب معه عند تشييع الجنازة . وحضور مراسمها الجنائزية التى أجريت فى جوهانسبرج زوجته الثانية "أوينى مانديلا" . والثالثة "جراسا ماشيل".
 

كما تميز بتسامحه مع أعداء الأمس بعد أن انهارت دعائم النظام العنصرى البغيض . وأذعن البيض إلى القبول بالعيش كغيرهم مواطنين فى ظل دولة المساواة والديمقراطية . فلم يسع يوماً لتصفية حساباته القديمة مع من ظلموه . وسجنوه . وأضاعوا أجمل سنين حياته بين القضبان.

وخلال فترة حكمه شهدت جنوب أفريقيا أنتقالاً كبيراً من حكم الأقلية إلى حكم الأغلبية . ولكن ذلك لم يمنع البعض من انتقاد فترة حكمه لعدم اتخاذ سياسات صارمة لمكافحة الإيذر من جانب . ولعلاقته المتينه من جانب آخر بزعماء دول كالقائد العقيد معمر القذافى وفيدل كاسترو والمعروفين بعدائهم لأمريكا . والغرب.
 

وقد حصل نيلسون مانديلا مع الرئيس فريدريك ديكليرك فى عام 1993 على جائزة نوبل للسلام . كما غدا اسم نيلسون مانديلا علماً . ورمزاً للبلد . بعد أن تحول إلى رمز للثورة ضد كل ما يمت للتفرقة العنصرية . من قريب . أو بعيد . وأطلق اسمه على الشوارع والميادين . وبعض الجامعات . وبعض المدن . بل وبعض المحلات والمتاجر . ليس فى بلده الأفريقى فحسب . ولكن فى العديد من دول العالم . وأقيمت له التماثيل فى بعضها -مثل لندن . كما أقيمت له التماثيل فى وطنه.
 

أعجب وأغرب ما فى شخصية مانديلا هو زهده التام فى السلطة . والحكم . بدليل تنازله عن الرئاسة . وعدم ترشحه مرة أخرى بعد فترة رئاسية واحدة لم يكررها . ليعطى النموذج الأمثل لكل حاكم . ظالم . مستبد . فى الزهد فى الجاه والمنصب بل والدنيا كلها . مع أن كل المبررات كانت تدعو مثله للتشبث بالمنصب وعدم إفلاته بعد أن ظفر به بعد قرابة أربعين عاماً من الكفاح.
 

وهذا يعطى للجميع درساً هاماً أن الوصول للحكم ليس غاية فى ذاته . وأن هناك فى الحياة ما هو أفضل وأجمل وأسعد من كراسى السلطة ومناصب السلطان . وأن الكرسى لا يعطى لصاحبه قيمة ولا وزناً . ولكن الإنسان هو الذى يعطى للمنصب والكرسى قيمة . ووزناً أفضل من وزنه . وذلك بعدله ونزاهته وإخلاصه ورحمته وإحسانه . واستغلال منصبه الاستغلال الأمثل فى صنع الخير للناس وبذل المعروف لهم جميعاً.
 

وقد قال رئيس الوزراء البريطانى جوردون براون أثناء مراسم الكشف عن تمثال نيلسون مانديلا المواجه لمبنى البرلمان فى لندن "إنه شخصياً يعتبر مانديلا أعظم زعماء القرن العشرين فى العالم أجمع . قبل تشرشل وروزفلت وغيرهم" . وأضاف : إذا كانت أفريقيا أنجبت أعظم زعماء القرن العشرين فمن الطبيعى أن يظهر فى القارة زعماء مماثلون فى الحكمة والتأثير فى القرن الحادى والعشرين.
 

أثناء محاكمته ألقى خطاباً فى الدفاع عن نفسه استغرق خمس ساعات . ختمه بالقول " كرست حياتى لكفاح الشعب الأفريقى . وحاربت هيمنة البيض بقدر ما حاربت فكرة هيمنة السود . كنت دائماً أرفع عالياً نموذج المجمتع الديمقراطى الحر . حيث الجميع يعطون فرصاً متعادلة ومنسجمة . وإذا اقتضى الأمر سأموت من أجل هذا الهدف".
 

وقد انتخب مانديلا أثناء المحاكمة رئيساً لاتحاد طلاب جامعة لندن . الجامعة التى لم يدخلها أبداً . كانت تلك رسالة دعم شباب بريطانيا نفسها ترافقت مع الدعم الأفريقى والعالمى . لكن ذلك لم يمنع الحكم عليه بالسجن مدى الحياة . وتسبب الحكم بردود شاجبة فى الرأى العام العالمى . ورأت أوروبا وأمريكا فى مانديلا صديقاً للمستقبل تريد حكومة بريتوريا العنصرية قصف مستقبله .لكن هذه الحكومة التى اعتقدت أن ذكر مانديلا سيتلاشى بعد سجنه بأيام أو سنوات قليلة . فوجئت بأن سجنه المديد سيبلور قضية الحرية والعدالة فى جنوب أفريقيا.

وكان سجنه فى جزيرة روبن محط اهتمام الأحرار . وبعد إطلاق سراحه تحولت غرفته فى السجن إلى مزار سياحى . يقول عنه مانديلا : "خلال ثلاثة قرون كانت هذه الجزيرة سجناً لكل الوطنيين المبعدين وكبار المقاومين والديمقراطيين . وإذا كان حقاً هو رأس الرجاء الصالح فإن هذا الرجاء مدين لأرواح أولئك المقاتلين ورفاقهم".




وفى عام 1985 عرض على مانديلا إطلاق سراحه مقابل وقف المقاومة المسلحة . إلا أنه رفض العرض . وبقى فى السجن حتى 11 فبراير 1990 م . عندما أدت الضغوط المحلية والدولية إلى أطلاق سراحه بأمر من رئيس الجمهورية فريدريك ديكليرك.

لقد ترك مانديلا الحكم ليعيش ملكاً متوجاً على قلوب العالم جميعاً . وهذا ذكاء يحسب له . لا عليه . وهو بذلك أبقى فى ذاكرة وقلوب شعبه أكثر من أستمراره فى منصه.

وقد توفى مانديلا فى 5 ديسمبر 2013 إلا أنه سيبقى دائماً وأبداً ذلك الزعيم الخالد.

Elɀeer


0 التعليقات:

إرسال تعليق